الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية قائمة لحالات انتحار هزّت واقع تونس بعدما تركوا هذه الرسائل المؤثرة على الفـايسبـوك..

نشر في  13 جويلية 2016  (10:25)

 كوارث إنسانية بالجملة تلك التي أصابت شبابا في عمر الزهور بعد أن خيّروا وضع حدّ لحياتهم فكان قرار الانتحار شنقا أو حرقا أو بتناول الأدوية بمثابة حكم الإعدام الذي أصدروه طواعية في حق أنفسهم ظنا منهم أنّه سيكون الحل الأمثل للهروب من حالة اليأس وتفاقم المشاكل الاجتماعية أو النفسية التي اعترضتهم..
الأكثر إيلاما في الأمر أنّ تونس أصبحت تشهد تزايدا مرعبا في نسب حالات الانتحار في مختلف ولايات الجمهورية، فبتنا شهريا إن لم نقل أسبوعيا «نفجع» على وقع حالات وفيات كان سببها الإقدام على هذه الظاهرة المقيتة التي أصبحت تهدد حياة شبابنا..
أخبار الجمهورية ارتأت في هذا الإطار تسليط الضوء على عينّة مؤلمة من حالات الانتحار التي هزّت قلوب التونسيين، راح ضحيتها شباب في أوج العطاء أبوا أن يغادروا هذا العالم قبل أن يتركوا رسائل وداع لفظوا من خلال عباراتها أنفاسهم وكتبوا في سطورها أحرفا من نار أرادوا من خلالها توثيق آهاتهم واختلاجاتهم ..

التفاصيل في هذه الورقة...

أحد هؤلاء كريم العليمي شاب يبلغ من العمر 29 سنة قرر أن يترك الحياة ذات يوم فحكم على نفسه بالشنق ليكتم أنفاسه نهائيا ويغادر العالم بعد تركه لرسالة وداع نشرها على صفحته الخاصة بالفايسوك لأصدقائه وذلك قبل لحظات من فراقه الدنيا..
 خبر انتحار كريم نزل كالصاعقة على أصدقائه المقربين والمدوّنين وكل من عرفه سواء في العالم الواقعي أو الافتراضي. وما زاد الطين بلّة هو نشره لرسالة الوداع التي ظنّ أصدقاؤه أنها مجرد مزحة أطلقها الشاب عليهم لا غير..

ميساء وكلمات هزّت القلوب...

أقدمت الشابة ميساء ذات الـ18  ربيعا مؤخرا على الانتحار شنقا بمنطقة قرمدة التابعة لولاية صفاقس، وقبل ان تقرر وضع حدّ لحياتها نشرت ميساء تدوينة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك تحدثت فيها عن معاناتها وأنها بدأت تفقد إنسانيتها.
ووفقا لما تداوله مقربون من الفتاة فإنها كانت تعيش حالة نفسية سيئة ومعاناة داخلية كان سببها رفضها للقيود التي فرضتها العادات والتقاليد ..
وفي ما يلي آخر ما كتبته الشابة ميساء قبل انتحارها:
«حولت رجائي للمعرفة فإني مللت جبني وعجزي عن الانتحار.. لم اعد ابحث عن حل لهذه الحياة.. وكم يزعجني جهلي بالذي يحدث حولي وأنا أشاهد ولا أرى ولا استشعر شيئا.. إني أفقد إنسانيتي ورغم هذا يزداد التزامي تجاهها...
 وكأنني أقدرها خاصة بعد فقداني لها... كم كنت إنسانا ساذجا جميلا ... كل هذا.. كل ما حولي.. البشر.. والعلاقات.. الدراسة .. المجتمع .. الأسرة .. لا أرى غير أنها قيود ولا تزيدني إلا بؤسا  وقيدا... تفقدني حريتي وتحدّ مني من أفكاري من أحرفي ورموزي بغاية أن أكون فردا مكعبا لتحشرني بين آلاف المكعبات مثلي فقط ليكونوا وبأنفسهم لوحة الوهم الحقيقي التي يخضعون لها وهم صانعوها» .

الشاب أشرف وترسّخ فكرة الانتحار...

مازالت حادثة انتحار تلميذ الباكالوريا شنقا بسبب رسوبه في مناظرة الباكالوريا، تترك أثرا ووقعا سيئين سواء في نفوس المقربين منه أو حتّى التونسيين الذين وصل الى مسامعهم ذلك الخبر الفاجعة (وقد تناولنا ذلك في عدد سابق من جريدتنا)..
وفي هذا الإطار وخلال تصفّحنا للصفحة الشخصية للتلميذ المنتحر «أشرف» وهو اصيل معتمدية الرقاب من ولاية سيدي بوزيد، أثارت كتابات الراحل وتدويناته الخاصة انتباهنا حيث أنّها أخفت بين طياتها ألما عميقا وأسى كبيرا وبداية فقدان الشعور بطعم الحياة..
ولعلّ المثير للانتباه أيضا بعض السطور التي نشرها الراحل والتي أنذرت مسبقا بقرب قرار رحيله عن هذه الدنيا حيث انّه في احدى التدوينات أعلن صراحة توديعه لأصدقائه الحقيقيين والافتراضيين..
وفي ما يلي بعض التدوينات التي كشفت انطلاق «ترسّخ» فكرة الانتحار في مخيّلة الراحل قبل تنفيذه لها ورحيله عن هذا العالم:
ـ  23 جانفي 2016: «مسكون بأفكاري وفي حياتكم لا أبالي تبا لعالم فيه أعاني وما للوجود من أماني... «
 - 05 فيفري 2016: «لدي أمنية للموت فرغم كل محاولاتي لا أجد سببا يجذبني للإحساس بجدوى هذه الحياة .. . أين أنا من كل هذا؟؟ «
  - 19 مارس 2016: «اشتاق إلى شعور الراحة والفرحة التي طال غيابهما عني .... عالم غريب لم أجد ما يشدني إليه ..»

مأساة «أميرة» ورسالة الوداع المثيرة»

اهتزت مدينة جندوبة نهاية العام الماضي على وقع حادثة فظيعة تمثلت في إقدام شابة في ربيعها الثاني، على الانتحار دهسا تحت عجلات القطار العائد من العاصمة في اتجاه نقطة الوصول بمدينة غار الدماء تحديدا عند الساعة التاسعة صباحا..
الفتاة المنتحرة التي تدعى أميرة هي من مواليد 1991، أصيلة ولاية جندوبة ومتحصّلة على الإجازة التطبيقية في اللغة الانقليزية منذ سنة، وهي عاطلة عن العمل وتمر بظروف اجتماعية صعبة للغاية خاصة وأنها تعيش رفقة أمها «ف» التي تعاني من إعاقة بدنية وهي مطلّقة من زوجها الذي جدّد حياته الشخصية وتزوج مرة ثانية، تاركا أميرة ووالدتها  تعيشان وترتزقان من منحة المعوقين التي تهبها الدولة..
الشابة أميرة شاءت قبل انتحارها بتلك الطريقة الفظيعة كتابة رسالة مؤثرة باللغتين الانقليزية والعربية، وجهتها إلى أفراد عائلتها حيث جاء فيها: «هذه جثة أميرة مُنكسرة والآن أصبحت مُتحرّرة» وأضافت « نحن السابقون وأنتم اللاحقون»..

أرقام مفزعة على الخط..

كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ندوة صحافية، حصول 549 حالة انتحار ومحاولة انتحار عام 2015 مقابل 203 حالات عام 2014 أي بزيادة بلغت نسبتها 170 في المائة.
وبيّن التقرير السنوي للمنتدى تسجيل 302 حالة انتحار عام 2015 مقابل 153 حالة سنة 2014. كما ارتفع عدد محاولات الانتحار ليبلغ 249 حالة مقابل 50 حالة سنة 2014. واحتلت ولاية القيروان المرتبة الأولى مع تسجيلها 89 انتحاراً، تليها بنزرت، فقفصة ، في حين لم تسجل أية حالة انتحار بمدن الجنوب التونسي. ولفت التقرير أن أغلب محاولات الانتحار تحدث في القرى والأرياف والمناطق المهمشة.
وأعرب أستاذ علم الاجتماع وعضو المنتدى عبد الستار السحباني خلال الندوة عن أسفه الشديد لزيادة نسب الانتحار، مؤكداً عدم إيلاء السلطات المعنية الأهمية اللازمة للفئات الفقيرة والمهمشة من الأطفال والشبان، وتقديم المساعدات المادية والمعنوية لهم، وبعث الأمل في القرى والأرياف من خلال الزيارات المستمرة وإقامة المشاريع التنموية فيها.